تاونات تسطر عهد الانتماء ومهرجان القمم يزهر على هضاب الوطن..
عاشت مدينة تاونات على مدى أيام السادس إلى الثامن من نونبر لحظات ثقافية سامقة ضمن فعاليات الدورة الثامنة عشرة من مهرجان قمم الجبال، الذي نظمته جمعية سفير للثقافة والتنمية بشراكة مع عمالة الإقليم ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، تحت شعار يعانق التاريخ ويستشرف المستقبل: خمسون سنة من مسيرة التنمية والنماء.
كان احتفاء وطنيا بذاكرة المسيرة الخضراء الخالدة، واستحضار للقرار الأممي الأخير الذي كرس سيادة المغرب على صحرائه، في مشهد ثقافي يؤكد أن الفن حين يتصل بالوطن يصبح رسالة وعي وتنوير لا زخرفا ولا لهوا. وعلى مسارح تاونات ومدارسها، تفاعل الفنانون مع التلاميذ في جلسات تواصلية تحيي في الناشئة روح الانتماء، وتغرس فيهم معنى القسم الخالد الذي جمع الأجيال على حب الأرض والدفاع عن وحدتها. أما في الساحات العامة، فقد صدحت الأغاني الوطنية وأعمال الرواد الذين خلدوا للمسيرة المجيدة، وامتزجت الأناشيد بالعروض المسرحية والفقرات الموسيقية القادمة من قمم المغرب ومن وراء الحدود، حيث اجتمعت أصوات عربية وأجنبية ضمن فرقة ملتقى السلام بقيادة الفنان المغربي علي العلوي، إلى جانب الفنانة المصرية راندا رضوان، لتؤكد أن الموسيقى لغة الوحدة قبل أن تكون إيقاعا للطرب.
وشهد الحفل أيضا تكريما لرموز الفن المغربي الذين شكلوا ذاكرة الوطن وصوت وجدانه، أمثال محمد خيي، حياة الإدريسي، عبد الواحد التطواني، فؤاد الزبادي، ومحمد الدرهم، في لحظة وفاء للفنان الذي جعل من الإبداع رسالة وفاء وصدق.
ولم يكن التكريم نهاية المشهد، بل بداية لرسالة أعمق: أن الفن والثقافة شريكان في بناء الوطن، وأن مهرجان قمم الجبال ليس مناسبة احتفالية فحسب، بل منصة لزرع قيم المشاركة والمسؤولية، وتعزيز روح التنمية المستدامة التي تنبع من الإنسان وتعود إليه.
إن الاحتفاء بالمسيرة الخضراء في ذكراها الخمسين يفتح الباب لسؤال جوهري: هل نستطيع أن نجعل من الفن والتعليم والثقافة أدوات لترسيخ الشفافية والمواطنة، ووسائل حقيقية لبناء مغرب المستقبل؟ هل يمكن أن نصنع وعيا جماعيا يجعل من النجاح وسيلة لخدمة الإنسان ؟
إن تاونات اليوم، وهي تعانق قممها الشامخة، تقدم درسا صامتا في الانتماء، حيث الجبل لا يتكبر على السهل، وحيث الثقافة تتسلق نحو النور، لتقول إن الوعي هو السلاح الأقدر، والمعرفة هي الحصن الأمتن، والقيم هي الطريق الذي لا يضل سالكه.
* الناشر >> “عندنا للخبر وجه آخر”



إرسال التعليق