فاس تستقبل واليها الجديد في زمن المغرب الصاعد
في لحظة تختزل التحول وتستدعي الوعي، احتضنت مدينة فاس حفل تنصيب خالد آيت الطالب واليا جديدا على جهة فاس مكناس وعاملا على عمالة فاس، في حفل ترأسه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، يوم الجمعة السابع من نونبر 2025، بعد صدور التعيين الملكي السامي من صاحب الجلالة الملك محمد السادس. كانت المناسبة أكثر من حفل بروتوكولي، فقد بدت كرسالة تحمل ملامح مرحلة جديدة في مسار التنمية الوطنية، حيث تتقاطع الرؤية الملكية مع روح المسؤولية الميدانية لبناء مغرب صاعد بالفعل لا بالوعد.
في كلمته بالمناسبة، أكد وزير الداخلية أن هذه التعيينات تأتي في سياق دقيق من التحول الوطني، حيث رسم جلالة الملك في خطاب العرش معالم المرحلة المقبلة بدعوته إلى تسريع مسار المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من البرامج التنموية التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني إلى أفق استراتيجي أوسع. إنها دعوة إلى بناء مغرب المستقبل على أسس من العدالة الاجتماعية والمجالية، عبر سياسات ترابية متكاملة تنقل التنمية من المفهوم الإداري إلى الفعل الإنساني والواقعي.
ولم تخل الكلمة من بعد إنساني وفكري عميق، إذ شدد الوزير على ضرورة ترسيخ ثقافة النتائج، واعتماد المعطيات العلمية والتقنيات الرقمية الحديثة لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع التنموية، في انسجام مع التعليمات الملكية الرامية إلى جعل كل جهة مغربية فاعلا ومسؤولا في مشروع التنمية المندمجة. كما دعا إلى إعداد البرامج الجديدة في إطار مشاورات موسعة تشمل الفاعلين كافة، مع إعطاء الأولوية لخلق فرص الشغل للشباب، وتعزيز قطاعات التعليم والصحة وتأهيل المجالات الترابية، بما يضمن الإنصاف والكرامة لكل مناطق الوطن، وخاصة تلك التي تعاني من الهشاشة أو العزلة الجغرافية.
وفي سياق متصل، توقف الوزير عند التحديات الاقتصادية التي ما تزال تواجه الاستثمار الخاص، معتبرا أنه من غير المنطقي أن يظل الاستثمار العمومي يشكل ثلثي حجم الاستثمار الإجمالي، مؤكدا أن الإصلاح الحقيقي لا يقتصر على القوانين والمؤسسات، بل يبدأ بخلق مناخ اقتصادي محفز يقوم على إزالة العراقيل الإدارية وتحسين التواصل بين الفاعلين. فالتنمية ليست معادلة مالية بقدر ما هي إرادة فكرية ومسؤولية أخلاقية، تنطلق من إيمان عميق بأن الثروة الوطنية تصنعها العقول قبل المشاريع.
ودعا وزير الداخلية في هذا السياق إلى الارتقاء بالعرض الترابي للجهة وتعزيز تنافسيتها من خلال البنيات التحتية والمنشآت اللوجستية والعقارية التي تجذب الاستثمار وتضمن توازنه بين الحواضر والعالم القروي. كما شدد على ضرورة إشراك الشباب في ورش التنمية بوصفهم رافعة للمستقبل لا مجرد مستفيدين منه، مؤكدا أن التنمية الحقيقية تقتضي حضورا فعليا في الميدان، وإصغاء دائما لنبض المواطن، وتعزيزا لسياسة القرب.
ولم يغفل الوزير عن ركيزة الأمن، مؤكدا أنها أساس الاستقرار وضمان ثقة المجتمع في مؤسساته، داعيا الوالي الجديد ومختلف الأجهزة إلى العمل بروح التعاون والحزم في مواجهة كل أشكال التهديدات، وتعزيز ثقافة الاستباق والحوار مع المواطنين، لأن الأمن اليوم لم يعد فقط حماية للأرض بل حماية للثقة التي تجمع المواطن بدولته.
وفي ختام الحفل، استحضر لفتيت المكانة التاريخية والحضارية لجهة فاس مكناس، مؤكدا أن روح هذه الجهة بما تحمله من علم وثقافة وصناعة وتاريخ، مؤهلة لتكون نموذجا في التوازن بين الأصالة والتجديد، بين الإرث العريق والرؤية الحديثة، وبين ما ورثناه من المجد وما نطمح إليه من مستقبل.
* الناشر >> “عندنا للخبر وجه آخر”



إرسال التعليق