“شباب وجدوا الخريطة في الدار البيضاء: حينما يتحول التكوين إلى كنز للحياة”

“شباب وجدوا الخريطة في الدار البيضاء: حينما يتحول التكوين إلى كنز للحياة”

في جهة الدار البيضاء سطات، لم يكن الحفل الذي جمع سبعة وتسعين شابا وشابة سوى لحظة تتويجٍ لرحلة بدأت بخطوة شك وانتهت بإيمان جديد بالحياة. ففي قاعة مجلس الجهة، وبين الوجوه المتألقة بنور الأمل، تسلم خريجو برنامج “نفس” شواهدهم، وكأنهم يلتقطون خريطة عبورٍ إلى المستقبل بعد أن ظلّت طرقهم من قبل مطموسة في غبار التردد والبطالة.

البرنامج، ثمرة تعاون بين جهة الدار البيضاء سطات وجهة إيل دو فرانس، لم يكن  اتفاق إداري ولا مبادرة عابرة في برنامج الشراكات، بل تجربة متكاملة تمزج بين التكوين المهني الصارم والتهذيب الذاتي العميق. على مدى أشهر قليلة، أعيد تشكيل وعي هؤلاء الشباب، فتعلموا أن الفندقة ليست خدمة فقط، بل فنّ في التعامل مع الناس، وأن المطعمة ليست مهنة عابرة، بل مدرسة في الانضباط والدقة واحترام الوقت والذوق.

وقد أُدرج ضمن البرنامج تكوينٌ خاص في المهارات الناعمة، تلك التي تصنع الفرق الحقيقي بين من يعمل بيديه ومن يعمل بقلبه أيضا. فكانوا يتدربون على التواصل، والثقة بالنفس، وإدارة الذات، ليخرجوا بعد أسابيع وقد تبدلت نظرتهم إلى ذواتهم قبل أن تتبدل سيرهم المهنية. وكانت النتائج مبهرة: نسبة إدماج بلغت خمسةً وتسعين في المائة، أي أن أغلبهم وجد مكانه في سوق العمل، لا بفضل الحظ، بل بفضل مهارةٍ اكتسبها وإصرارٍ حمله في عينيه.

رئيس الجهة، عبد اللطيف معزوز، عبّر عن فخره بما تحقق، مؤكدا أن نجاح البرنامج لم يكن صدفة، بل ثمرة التزام ومواكبة جدية تستند إلى التنمية الذاتية والثقة بالنفس، داعيا إلى توسيع التجربة لتشمل مجالات وقطاعات أخرى. فالشباب الذين كانوا بالأمس خارج دائرة الفعل أصبحوا اليوم صانعين لمستقبلهم، يملكون مهنة، ويمشون بثقة، ويضيفون إلى نسيج مجتمعهم قوة جديدة من العمل والكرامة.

كان الحدث إعلان عن ميلاد فلسفة جديدة في فهم التكوين المهني: فالنجاح لا يُقاس فقط بما تحمله اليد من شهادة، بل بما تحمله النفس من إيمان بالقدرة على التغيير. لذلك رأت الجهة أن تواصل دعم مبادراتها الهادفة إلى تمكين الشباب، فشجعت المشاريع الصغيرة، ودعمت الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وأسهمت في خلق آلاف مناصب الشغل عبر التعاونيات والأنشطة المدرة للدخل، إلى جانب برامج موجهة للصناعات الثقافية والإبداعية والمقاولات الرياضية والرقمية.

إنها خريطة حقيقية للكنز الذي تحدثنا عنه طويلا: كنز الثقة، والعمل الشريف، والإصرار على الحياة. فالشباب الذين وجدوا طريقهم ليسوا  أرقاما في سجل إدماج مهني، بل رموزا لمعنى أوسع، معنى أن ينهض الإنسان حين يُمنح الفرصة، وأن تزهر المدن حين تؤمن بأبنائها.

*جريدة الناشر >>  “عندنا للخبر وجه آخر”

إرسال التعليق

You May Have Missed