“الاسماعيلية” تنهض بالعقل لا بالحجر …!
في مدينة مكناس، تتشكل اليوم لبنة جديدة في مسار التنمية الواعية: مركز للأعمال متعدد الخدمات، مشروع لا يقتصر على البنايات ولا يكتفي بالميزانيات، بل يؤسس لرؤية اقتصادية ومعرفية قوامها الإنسان والابتكار.
بغلاف مالي يبلغ خمسة عشر مليون درهم، تتحد الإرادات لبناء “الإسماعيلية بيزنس سانتر” ليكون فضاء يربط الحلم بالفعل، ويمنح الاقتصاد المحلي جسدا جديدا من المرونة والذكاء. هذا المشروع، الذي صودق عليه خلال الدورة العادية لغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة فاس مكناس، يجسد نموذجا في التعاون المؤسساتي بين مجلس الجهة وغرفة التجارة ومجلس عمالة مكناس، حيث يسهم كل طرف بنصيبه المادي والمعنوي في تأسيس صرح يخدم الفاعلين الاقتصاديين وحاملي المشاريع الناشئة.
ليس الكلام عن مركز للأعمال، بل حاضنة للعقول وورشة للأمل، إذ سيضم مدرسة للبرمجة والتشفير المعلوماتي، ومختبرا للإبداع، وفضاء للتشبيك والعمل المشترك، إلى جانب قاعة للندوات وركن للمقاولات الصاعدة في عالم التكنولوجيا الحديثة. إنه ميلاد عقل جديد للمدينة، عقل رقمي مبدع يفتح الباب أمام جيل يرى في البرمجة لغة المستقبل وفي الابتكار طريقاً للكرامة والإنتاج.
وقد صادقت الجمعية العامة للغرفة كذلك على ملحق اتفاقية مشروع “يو كود فاس” للبرمجة والتشفير، لترتفع المساهمات المالية إلى ثلاثين مليون درهم، مؤكدة أن الرقمنة لم تعد ترفا، بل ضرورة للتنمية ولحضور المغرب في خارطة الاقتصاد الجديد. فكل طابق من طوابق هذه المدرسة هو طابق من المستقبل، وكل مقعد فيها بذرة وعي، وكل فكرة تُولد بين جدرانها مشروع حياة.
وراء الأرقام والأسماء، تتشكل قصة أعمق من بناء مركز للأعمال، إنها قصة وطن يؤمن بأن التنمية لا تنمو في الظلال، بل في وضوح الشفافية، وفي تلاقح العلم مع الأخلاق، والمعرفة مع القيم. فحين يتحول الاستثمار إلى وسيلة لخدمة الإنسان، وحين تدار المشاريع بنية الإصلاح لا المصلحة، يخرج الوطن من دوامة الشك إلى يقين الفعل.
إن التحدي اليوم ليس في تشييد البنايات، بل في بناء الإنسان القادر على تحويل كل درهم إلى فكرة، وكل فكرة إلى منفعة عامة. والنجاح الحقيقي لا يُقاس بما تملكه المدينة من مراكز وموازنات، بل بما تملكه من وعي جمعي ومسؤولية أخلاقية تجعل التنمية شأناً وطنياً لا موسمياً.
فهل نكون على قدر هذا الوعي؟
هل ندرك أن النجاح المادي وحده لا يصنع سعادة المجتمع ما لم يتكامل مع النجاح المعنوي الذي يسمو بالروح ويرتقي بالقيم؟
إن مغرب الغد يُبنى اليوم بالنية الصادقة، بالعلم الذي يُثمر نفعا وبالمواطنة التي ترى في العمل الصالح طريقاً للكرامة. فحين تتآزر الروح الإنسانية مع العزم الأخلاقي، يصبح النجاح وسيلة لا غاية، ويولد من مكناس مغرب جديد.. مغرب يرى في كل مشروع بذرة ضوء، وفي كل وعيٍ جديد خطوة نحو وطنٍ لا يحلم فحسب، بل يحقق الحلم على أرضه.
• الناشر >> “عندنا للخبر وجه آخر”



إرسال التعليق